خطبة عيد الفطر للعلّامة الدكتور إبراهيم أبو محمد مفتي أستراليا وثيقة مهمة للتعايش وترسيخ السلام العالمي
لا يوجد مجتمعات تضررت وعانت من حركات العنف والإرهاب مثل ما عانت مجتمعات المسلمين
خذوا دينكم من مصادر مأمونة ومتخصصة عن طريق علماء الأزهر الشريف ومن يسير على منواله
نواجه رعونات التعصب والكراهية بمزيد من التعقل والتسامح والدفع بالتي هي أحسن كما علمنا الإسلام
على المسلمين أن يكفوا عن الجدل العقيم.. وينصرفوا للعمل الجاد المثمر المتميز علما وخلقا
أستراليا رائدة في التناغم الحضاري والانسجام المجتمعي
كتب : أحمد نورالدين
وجه سماحة المفتى العام للقارة الأسترالية العالم الأزهري المصري الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو محمد في خطبة عيد الفطر المبارك التي ألقاها صباح أول أمس في جموع المصلين بمدينة سيدني بأستراليا، مجموعة من الرسائل باللغتين العربية والإنجليزية، نقلتها بعض القنوات الفضائية والإذاعات مباشرة، وتناولت:
رسالة لعموم للمسلمين في أستراليا, ورسالة للشباب المسلم في أستراليا وخارجها, ورسالة للمجتمع الأسترالي عموما وبخاصة غير المسلمين, ورسالة للعالم أجمع, أما رسالته للجالية المسلمة بأستراليا فأكدت على الوعي بطبيعة الواقع وما يجري فيه من تحديات وضرورة اجتماع الكلمة ووحدة الصف والاعتصام المطلق بالدين منهجا ورسالة ورسولا وهذا يقتضي: أن يكون كل مسلم يعيش على أرض أستراليا سفيرًا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) خلقًا وسلوكًا؛ لتتجلى أمام المجتمع قيم الإسلام العظيمة في الصدق والوفاء والأدب والعفة والتفوق العلمي والأداء الحضاري المتميز بالإتقان والإبداع والروعة.
– رفض التعريض أو الاستهداف الإعلامي للإسلام من بعض الصحف، كذلك رفض أي تدخل في شؤون الجالية المسلمة ومبادئها وقيمها وثوابتها.
-مواجهة رعونات التعصب والكراهية بمزيد من التعقل والتسامح والدفع بالتي هي أحسن كما علمنا الإسلام، دون التفريط في الحقوق، وتفويت الفرص على أهل التعصب والعنصرية، فلا يجروننا إلى معارك جانبية خاسرة.
– اليقين بأن التعصب والكراهية والعنصرية لا يدين بها إلا قلة قليلة يغذيها ويلهب شررها إعلام الفتنة والغواية، غير أنها مرفوضة ومنبوذة من غالبية المجتمع؛ لأن التعصب لا يمثل حقا يضيئ، ولكنه يمثل حماسًا يشتعل، مشددا أن دعوات الكراهية والتعصب ستحاصر في النهاية بوعي الأستراليين وقدرتهم على الفرز والغربلة، وهم لن يكونوا ضحايا للغش الثقافي والجهل بمسار التعددية الثقافية والدينية والحضارية ومزاياها التي قامت عليها أستراليا وأسهمت كل الأجناس المهاجرة في بنائها، فكفوا عن الجدل العقيم، وانصرفوا إلى العمل الجاد والبناء المثمر والأداء الحضاري المتميز علما وخلقا، وكونوا للعدل والحرية وحماية الحقوق أنصارًا وأعوانًا.
واتركوا إنجازاتكم وأعمالكم الناجحة تتحدث عنكم وتدافع عن قيم الحق والخير والرحمة التي تحملونها.
وأكدت رسالة العالم الأزهري أ.د. إبراهيم أبو محمد مفتي القارة الأسترالية للشباب المسلم أنهم شريحة مهمة من المجتمع الأسترالي “فلستم جسما غريبا فيه، وقد ولدتم هنا، وتربيتم على خير هذا الوطن الحبيب وبين ربوعه، وتذكروا أن أستراليا قدمت لكم ولآبائكم وأجدادكم كل خير، فبادلوها حبًّا بحبٍ، واحفظوا أمنها وسلامتها، وحافظوا على قوانينها؛ لأنها وضعت لحمايتكم وحماية عائلاتكم، واحذروا دعايات التطرف والإرهاب فهي الطريق إلى الموت أو إلى التشرد والضياع، وإياكم أن تستفزكم دعوات العنصرية والكراهية أو أن تصيبكم باليأس والإحباط والشعور بالغربة فيدفعكم ذلك إلى رد فعل معيب غير محسوب يشين دينكم وجاليتكم واحذروا أن تأخذوا دينكم عن الشيخ جوجل والشيخ يوتيوب فهم مدلسون وليسوا مؤتمنين على علم ولا دين، وخذوا دينكم من مصادر مأمونة ومتخصصة عن طريق العلماء الثقاة الذين درسوا في الأزهر الشريف أو ما يعادله وتخصصوا فيه، وتأكدوا أن أستراليا وطنكم وهي مستقبل أبنائكم، فردوا الجميل للوطن بناء وعطاء وولاء وانتماء”.
وأشارت رسالته للمجتمع الأسترالي إلى أن الولاء والحب للوطن العظيم “أستراليا” ينطلق من دين الإسلام الذي لا يحمل للمجتمع الأسترالي ولا يحمل للدنيا كلها إلا كل خير، وينطلق أيضاً من أن نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) هو أخ وشقيق لكل إخوانه الأنبياء السابقين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.
وأن رسالته كانت وما زالت في مجملها وتفاصيلها رحمة للعالمين، وأنها ورّثتنا كمسلمين قلوبًا تتسع بالحب لكل ما خلق الله تعالى، كما منحتنا مخزونًا معرفيًّا كبيرًا ينفتح على الآخرين، وكوّنت لدينا عقولا تحتوى بنوكًا من الأفكار العظيمة التي يمكن بالتعاون مع كل الشرفاء من القادة ورموز الأديان أن تسهم في حماية المجتمع من مخاطر كثيرة لا زالت تواجهنا، وفي مقدمتها العنف العائلي، والإرهاب والتطرف والمخدرات وموجات الانحراف الأخلاقي، والتفكك الأسرى، وتلوث البيئة ماديا وأخلاقيا.
ولفت سماحة مفتى عام القارة الأسترالية العالم الأزهري المصري الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو محمد في خطبة عيد الفطر المبارك إلى أنه بين الحين والحين ترتفع أصوات شاذة، وتطفو على السطح بعض دعوات التعصب والكراهية تحاول تشويه الإسلام واتهام المسلمين بالتطرف والعنف، مشيرًا إلى أن هذه الأصوات غير المسؤولة لا تدرك أننا جميعا نركب سفينة واحدة، وعلينا جميعا أن نحميها ونحتمى فيها، وملعون كل من يحاول خرقها أو حرقها ليغرق سفينة الوطن لا قدر الله، فلنحذر جميعا أقلام الفتنة وأصوات الكراهية والعنصرية التي تستهدف الوقيعة بين المجتمع الأسترالي وبين المسلمين، وعلينا أن نؤمن بأنه كلما ارتقت ثقافتنا كلما زادت مساحات التسامح، وكلما ازداد بعضنا قربًا من الآخر كلما ازدادت مساحات الحب في الوجدان البشري لكل إنسان، وعلينا أن نثق جميعا أن رعاية الحريات وحماية التعددية الثقافية والحضارية والدينية هي مدخل وسبيل لتحقيق مزيد من التفاهم بين مكونات المجتمع لتظل أستراليا رائدة في التناغم الحضاري والانسجام المجتمعي، وأننا معًا سنتجاوز كل دعوات التعصب والعنصرية والكراهية وبوحدتنا يمكننا أيضًا أن نبني مستقبلا مشرقًا لأجيالنا القادمة، وأن نجعل من أستراليا وطنًا رائدًا في صناعة المحبة والسلام.
أما رسالته التي وجهها للعالم وهو يلقي خطبة عيد الفطر المبارك فقال فيها: نستقبل العيد فرحين بتمام الطاعة، فتعكر علينا صفو فرحتنا صور كثيرة للعنف والإرهاب، أشدها وقعا على نفوس المسلمين وقلوبهم تلك التفجيرات التي وقعت والناس صائمون وآخرها في المملكة العربية السعودية وبخاصة الجريمة النكراء التي وقعت في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وغيرها من جرائم الإرهاب التي توالت في العواصم العربية ومنها جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تتم في أكثر من منطقة في العالم العربي، حيث يقتل فيها الأطفال والنساء والمدنيون العزل وهم في بيوتهم، وقد دكتهم آلة الحرب دكا، وحصدتهم حصدًا ولذلك نطالب:
أولا: نطالب المجتمع العالمي والإنساني بصحوة في الضمير يغل بها يد العدوان الغاشم ويقيم القصاص العادل على كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب والإبادة الجماعية بتقديمهم للعدالة ومحاكمتهم أمام محكمة الجنايات الدولية كمجرمي حرب ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية.
وثانيا: نقدم خالص العزاء والمواساة لكل أسر الضحايا، ونعلن مساندتنا لكل المنكوبين والمهجرين من ديارهم.
إننا نقرأ في الإنجيل (المجد لله في الأعالى، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة).
كما نقرأ في القرآن الكريم دعوة إلى كل المؤمنين ليدخلوا في السلم كافة، يقول القرآن الكريم (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (سورة البقرة:٢٠٨).
وعلى الرغم من ذلك كله يكرس الإعلام العالمي مدفوعًا بدعمٍ من بعض الجهات على تصرفات حفنة قليلة جدا من المسلمين ترتكب بعض الحماقات، وهؤلاء لهم أشباه ونظائر في كل مجتمعات الدنيا، ومن ثمَّ فليس إنسانًا منصفًا بل ليس إنسانًا سويًّا مَن يتهم دينًا يعتنقه مليار وستمائة مليون مسلم بالإرهاب والعنف من أجل تصرفات تلك الحفنة القليلة، ومن هنا نرفض محاولات اتهام الإسلام أو المسلمين بالعنف والتعصب والكراهية وإلصاق تهمة الإرهاب بهذا الدين ونؤكد أنها محاولة باطلة وفاشلة لأنها: أولا: مناقضة للعقل والمنطق ونصوص الإسلام وحضارته في واقع الناس على مدار التاريخ شاهدة على ذلك.
وثانيا: هي تهمة باطلة وفاشلة لأنها مجافية للحقيقة والواقع؛ حيث لا يوجد مجتمعات على وجه الأرض تضررت وعانت ولا زالت تعاني من حركات العنف والإرهاب مثل ما عانت مجتمعات المسلمين في واقعها الماضي والحاضر معا.
وثالثا: هي دعوى فاشلة وباطلة؛ لأنها تتنافى مع قواعد العدالة التي لا يمكن أبدا أن ترى جريمة الجاني وتتغاضى عنه، بينما تلوم الضحية وتتهم البريء.. كل عام والإنسانية في منعة وكرامة، كل عام والفرحة أكبر، كل عام والسلام أقرب، كل عام وأنتم بخير.